( محنة .. في طيّها المنح ) ..
هاهي الساعة تشير إلى الثالثة بعد الظهر .. والشمس المحرقة تذيب الجلد والجليد ..
وهاهو [ صالح ] يحمل على كتفه التلفاز ليضعه في مكانه في غرفة الجلوس ..
هنا أنسب .. قالها [ راشد ] مشيراً إلى مكان آخر ..
لكن [ صالح ] كان قد وضع التلفاز وانطلق لحمل شيء آخر .. !
فرغم ما كان بينهما من الود .. إلا أن النفس كانت تكاد تخرج من شدة التعب والإعياء [ والحر الشديد ] ..
استقرت العائلة في ذلك الحي .. وهو نسبياً من أفضل أحياء الرياض سكاناً ومنطقة .. خاصة وأن البيت لصيق بالجامع .. خاصة وإمامه معروف بصوته الندي الذي يحيطك بروحانية عجيبة ..
لكن ..
لم يكن القرب أو البعد من الجامع يعني لأسرة [ صالح ] شيئا كبيراً .. إذ لم يكن من أسرتهم أحد يصلي .. إلا [ صالح ] .. حيث كان يصلي في البيت .. نقراً كـ[ نقر الغراب ] .. وربما أسرع ..
كان إخوته يهزؤون به : ( [ صالح ] هل تظن أن صلاتك هذه تفيدك شيئاً ) .. لكنه لم يكن يجيبهم .. كان يقول : ستنفعني صلاتي هذه يوما ..!
ولم يكن [ صالح ] بعيداً .. لكن .. كان بحاجة إلى من يعلق الجرس .. فكم من الغرقى حولنا قريب إلى شاطئ النجاة .. لكن من يلقي له الطوق ..[ يبقى سؤالاً ]..
كان بيت [ صالح ] مليء بالشباب .. فإخوته من الذكور ستة .. وكلهم متقاربي العمر .. فأكبرهم قارب الثلاثين .. وأصغرهم جاوز العاشرة ..
ولأجل ذلك .. فلم يكن يوم يمر إلا وتحدث مشكلة في البيت .. وترتفع الأصوات .. وربما يصل الأمر إلى الاشتباك بالأيدي ..
لكن ذلك اليوم لم يكن عادياً ..
خرج [ صالح ] من منزله بعد مشاجرة حدثت مع إخوته .. حيث كانوا في صف .. وكان هو في الصف الآخر .. أحس أن المعركة غير عادلة .. وربما .. مؤامرة .. فخرج ..
في الشارع ..
وقف [ صالح ] أمام باب البيت حائرا ..
ماذا أفعل ؟؟
وإلى أين أذهب ؟؟
أأعود .. ؟؟
لا لا .. ( فلم تكن نفسه الأبية تطاوعه للعودة مهزوماً ) ..
نظر يمنة ويسرة ..
شدّه ذلك الصرح العظيم ..
نعم .. إلى هناك .. !
-----------
دخل [ صالح ] ..
نعم .. دخل .. ولأول مرة ..
دخل الجامع ..
الله ..
ما هذه الروحانية .. ؟
وما هذا السكون ..؟
ما أعظم الفرق بين هدوء الجامع وصخب المنزل ..
رمى [ صالح ] ببصره إلى زاوية بالجامع ..
اتجه إليها ..
وفي الطريق : تذكر أن أستاذهم الوقور .. ذا اللحية المهيبة .. والخلق الدمث قد أخبرهم أنه ينبغي على كل داخل للمسجد أن يصلي ركعتين ..
استن سارية .. وبدأ يصلي ..
ركعتين .. مرت كلمح البصر ..
لكنها كانت شيئاً ..
------------
وحضرت الصلاة ..
صلاة مشهودة .. وبداية حياة جديدة لصاحبنا ..
يا الله ..
ما أسعد المصلين هنا .. وما أهناهم ..
تُـرى .. كيف كنت أمضي حياتي بعيداً عن هذه السعادة ..
انظر ..
ذاك يتجاذب مع جاره أطراف الحديث ..
وآخر يعانق جاراً قدم من سفره ..
وثالث يعين كهلاً للذهاب إلى منزله ..
الله ..
ما هذه الحياة ..
نِعم هؤلاء .. ونِعم ما هم فيه من السعادة ..
----------------
كانت تلك .. بداية البداية لــ[ صالح ] .. ونبوءات ميلاد جديد ..
لتنطلق الحياة الجديدة بأحداثها العجيبة ..
فلصاحبنا أحداث وأحداث ..
كيف ثبت على الطريق ..؟
وهل سيقبل به أصحابه الجدد ؟
وما موقف أهله تجاهه ..؟